یواجه العالم الیوم تحدیًا خطیرًا والذی قد اجتاح کل الشعوب. تسبب انتشار فیروس COVID19 فی حدوث العدید من التغییرات فی مختلف أنحاء العالم. مما تسبب فی حدوث فوضى مع تزاید عدد ضحایا الفیروس والمصابین به بسرعة. ولا أحد یعرف إلى متى سیستمر الوباء ولم یتم توفیر لقاح فعال وآمن بعد.
إن الاقتصاد العالمی فی أزمة عمیقة. یواجه البشر الآن أشد أزمة اقتصادیة وانهیار مالی، لم یسبق له مثیل منذ الکساد الکبیر. النظام العالمی فی حالة من التوتر والفوضى. التعددیة فی الانخفاض، والقومیة فی تزاید. ما هی عواقب هذه التوترات والفوضى على العلاقات الدولیة؟
من المبکر معرفة ماذا سیحدث فی المستقبل وإمکانیة احتواء هذا الوباء والتخلص منه. بالرغم من ذلک هناک شیء مؤکد: لا یمکن للاتجاهات الأحادیة الجانب حل مشاکل عالم الیوم المترابطة.
بینما المجتمع الدولی مشغول بکیفیة تجهیزه بشکل أفضل لمکافحة الوباء، تتابع الولایات المتحدة أجندتها الأحادیة الجانب لضمان مصالحها. بالنسبة لإیران، تصعد الولایات المتحدة عقوباتها الغیر قانونیة ضد الشعب الإیرانی، متجاهلة النداءات الدولیة التی وجهها الأمین العام للأمم المتحدة ورؤساء الدول والبرلمانیون والمنظمات غیر الحکومیة لرفع العقوبات لتمکین إیران من مکافحة الوباء بشکل أکثر فعالیة ، وأیضاَ منع انتشار فیروس Covid19 فی المنطقة. هذه السیاسة اللاأخلاقیة ممارسة شائعة للولایات المتحدة فی استخدام العقوبات، والوهم بأن الحکومة الإیرانیة على وشک الانهیار.
إن العداء الأمریکی تجاه إیران لا یقتصر على الضغوط الاقتصادیة. تعمل الإدارة الأمریکیة أیضًا بجد فی مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتوجیه ضربة أخیرة إلى خطة العمل الشاملة المشترکة (JCPOA). تجدر الإشارة هنا إلى کیفیة تعامل الولایات المتحدة مع الاتفاقیة النوویة الإیرانیة على مدى العامین الماضیین.
انسحبت الولایات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشترکة (JCPOA) قبل عامین تقریبًا وفرضت أشد العقوبات على إیران فی مسار انتهاک التزاماتها الدولیة. کانت أهداف الولایات المتحدة واضحة ولها جانبان: إما أنها ستغیر النظام فی إیران أو ستجبرها على الإستسلام والجلوس مع الولایات المتحدة لإبرام اتفاقیة جدیدة والموافقة على شروط أمریکیة جدیدة، والتی لم تتحقق بعد. منذ مایو 2018، فشلت "سیاسة الضغط الأقصى" للولایات المتحدة على إیران. لقد خلقت هذه الدولة العدید من المشاکل والصعوبات اقتصادیة للشعب الإیرانی، لکنه لم یتسبب فی انهیار اقتصاد البلد، ولن یحدث ذلک فی المستقبل. وبدلاً من ذلک، وحدت هذه السیاسة الشعب الإیرانی وعمقت استیائهم من الحکومة الأمریکیة.
أدى انسحاب الولایات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشترکة (JCPOA) فی البدایة إلى بعض المشاکل والصعوبات الاقتصادیة لإیران وکانت إیران تسعى بصبر إلى العمل بالوعود الواردة فی الاتفاقیة، ولکن دون جدوى. لذلک، اضطرت إیران إلى اللجوء لمواد ذات الصلة من خطة العمل الشاملة المشترکة (JCPOA) وخفض التزاماتها من أجل تحقیق التوازن الضروری فی الصفقة، والحفاظ علیها. کانت سیاسة إیران فی هذا الصدد تمتثل دائمًا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231. مع ذلک فی الأشهر القلیلة المقبلة، ستحاول الولایات المتحدة تنفیذ قرار فی مجلس الأمن لمنع رفع قیود الأسلحة المفروضة على إیران بسبب انتهاء صلاحیتها فی أکتوبر. تبنی هذا القرار فی المجلس سیکون مخالفاً للقرار 2231 الذی أقرته خطة العمل الشاملة المشترکة ورسختها فی القانون الدولی. إن رفع القیود المفروضة على استیراد وتصدیر الأسلحة الإیرانیة هو جزء من الاتفاق المتفق علیه منذ خمس سنوات والذی لا یمکن تجاهله أو تأجیله. فی هذا الصدد، ذکرت إیران فی مناسبات مختلفة أن أی شیء عدا رفع القیود العسکریة غیر مقبول.
صرحت الولایات المتحدة إنها ستعمل کمشارک فی خطة العمل الشاملة المشترکة إذا لم یتم تمریر القرار المذکور أعلاه، واستناداً إلى أحکام قرار مجلس الأمن رقم 2231 ستقوم بإلغاء قرارات المجلس السابقة بشأن إیران. وهذا مغایر للعقل واستهزاء بالقوانین واللوائح الدولیة ، وله نتائج خطیرة على مصداقیة مجلس الأمن. من الجدیر بالذکر بعض النقاط هنا:
فی 8 مایو 2018، أعلن الرئیس الأمریکی ترامب إن الولایات المتحدة "لن تشارک" فی خطة العمل الشاملة المشترکة (JCPOA). ومنذ ذلک الحین ، وانتهاکاً للقرار 2231، فرضت عقوبات جدیدة على إیران ولم تشارک فی اجتماعات اللجنة المشترکة التی حضرها جمیع المشارکین فی خطة العمل الشاملة المشترکة (JCPOA). وبالتالی، لیس لدى الولایات المتحدة حجة قانونیة لتکون من بین "المشارکین".
لیس هناک شک أن إبقاء القیود العسکریة یتعارض مع القرار 2231، وانتهاک القرارات السابقة سیکون انتهاکاً لکل من خطة العمل الشاملة المشترکة (JCPOA) والقرار 2231. وفی کلتا الحالتین، ذکرت إیران أن رد فعلها سیکون شدیدًا و کل الخیارات مطروحة على الطاولة.
هناک ثلاثة ملاحظات یجب أخذها بعین الإعتبار:
- السیاسة الأمریکیة "للضغط الأقصى" لم تؤد إلى ما طالب به المتشددون فی واشنطن بوضوح ؛ لذلک فإنهم سیتخذون أی إجراء ما فی وسعهم لإلغاء خطة العمل الشاملة المشترکة (JCPOA) قبل وصول إدارة جدیدة محتملة إلى السلطة فی ینایر.
- یجب أن تتخذ أوروبا قرارًا حاسمًا بشأن خطة العمل الشاملة المشترکة (JCPOA) والقرار 2231. إذا کان الأوروبیون یتوقعون تنفیذ خطة العمل الشاملة المشترکة (JCPOA) بالکامل، فیجب علیهم مواجهة البلطجة الأمریکیة. إن سیاستهم للإسترضاء لم تنجح ولن تنجح فی المستقبل.
- إن زوال خطة العمل الشاملة المشترکة (JCPOA) لن یؤدی إلى مستقبل أفضل للمجتمع الدولی. وهذا سیزید من زعزعة الإستقرار فی منطقتنا.
سواء کان ذلک یرضی الولایات المتحدة أم لا، فإن إیران لاعب رئیسی فی المنطقة وتمتلک إمکانات هائلة ولا یمکن إزالتها من المعادلات الإقلیمیة. على الرغم من المشاکل والصعوبات الاقتصادیة خلال العامین الماضیین الناتجة عن السیاسات القمعیة الأمریکیة وکذلک تفشی الوباء الذی ضرب إیران بشدة، لا یزال غالبیة الإیرانیین یدعمون النظام السیاسی للبلاد لأنهم واثقون من أن حکومتهم لا تسیر على أوامر الأجانب ؛ وهذا المعیار مهم للغایة بالنسبة للمواطنین الإیرانیین، حیث قاموا باختبار الحکومات والأنظمة المختلفة خلال الـ 150 عامًا الماضیة.
فی عام 2015، بعد عامین من تولی الرئیس روحانی منصبه، تم الاتفاق على خطة العمل الشاملة المشترکة. انسحاب الولایات المتحدة من الاتفاق النووی، وعدم وجود العزم والحماس اللازم من جانب الاتحاد الأوروبی للتدخل وتعویض خسائر إیران، لم یؤد فقط إلى تشویه صورة الغرب فی إیران، ولکن الأهم من ذلک بکثیر، جعل الشعب الإیرانی لا یثق فی فوائد التعامل مع الولایات المتحدة وأوروبا. هذا الموقف واضح فی شوارع طهران ومدن أخرى.
فی الختام، یجب على الدول الغربیة التفکیر مرتین قبل القیام بالمغامرة التی لیست لصالحهم ولا لصالح أی أحد آخر. بدلاً من ذلک، سیکون العالم أفضل حالًا وأکثر أمانًا، إذا کان احترام القانون والاتفاقیات الدولیة هو النظام الطبیعی الیومی.
(إن المعلومات والآراء الواردة تمثل آراء المؤلفین ولا تعکس وجهة نظر مرکز الدراسات السیاسیة والدولیة)